You are currently browsing the daily archive for 23 سبتمبر 2010.

بسم الله الجبّار المتكبّر


قبل عامٍ ونصف العام كنّا جلوساً أنا وصاحبي معاذ عند أخينا وحبيبنا وأديبنا جهاد نتحدث ونتسامر في ضيافته عن شتى المواضيع والأحداث والنوازل ، ولعل في ذلك الوقت كان الرأي العام مشغولاً بفتيا لأحد العلماء قد شذّت وأصبحت هي وصاحبها ألوكة الناس وفاكهة مجالسهم. لم نتحدث عن الفتيا او عن صاحبها بل حدنا قليلاً عن الموضوع لنتحدث عن أبعاد الفتيا وكيف تعامل معها الناس فبعضهم قد فرح بها والبعض قد ثارت ثائرته ، والناس تختلف بمشاربها ولا ضير.

ولكن ما كان يشغلنا وما تطرقنا إليه في حديثنا هو كيف يختار الناس من بين الفتاوى والمفتين وخصوصاً في عصرنا الحالي ومع الثورة في مجال الاتصالات والبث الراديوي والتلفزيوني يدخل ويتسلل إلى كل البيوت عبر موجات الأثير والشبكة العنكبوتية، فتدخل عليهم شتى البرامج والقنوات وألوان وصنوف من المفتين والعلماء فمع هذه الثورة المعلوماتية والتقنية المتطورة في الاتصالات تأتي فتاوى من المشرق والمغرب إلى بيوتات الخلائق ، فكيف نختار من بين هؤلاء المفتين وتلك الفتاوى ؟

ربما يتسائل البعض مالذي أتى بهذه الذكريات وبعد عام ونصف؟! فأقول سلّمكم الله بأن ما يجري على الساحة في هذه الفترة وخصوصاً بعد قرار حصر الفتيا وإغلاق الكثير من المواقع والمنتديات الاسلامية المتخصصة والخاصة لبعض العلماء أو حتى لبعض المواقع التي تقوم بأرشفة وفرز وعرض لفتاوى العلماء. لست بصدد التحدث عن القرار أو تبعاته أو حتى ما جرى لبعض المطالبين بهذا القرار وخصوصاً بعد أن قلب ظهر المجن وصلوا بنار هذا القرار.

ماذا لو أن الناس عرفوا حقاً ما هو الأصلح لدينهم كما عرفوا ما هو أصلح لأبدانهم ؟
هل كنا سنحتاج لمثل هذه الوصاية؟
وكيف يحمي الانسان نفسه ودينه من الأقوال المتطايرة في المجالس والنوادي ويحصن نفسه فلا يختار سوى الأصلح وليس الأقرب للهوى؟

ما أريد قوله من دون إطالة هو أنه ينقصنا الوعي في اختيار الفتيا والمفتي بل وتنتشر ثقافة ” اجعل بينك وبين النار مطوّع ” مطوّع يقصد بها شيخ أو مفتي ، وحقيقة الأمر أن هذه المقولة تمجّها الأسماع قبل الأفهام ، ولا يخفى على عاقل بطلان هذه المقولة جملةً وتفصيلاً.

لعل بالمثال يتضح المقال : فلو أن أحدا شكى قذىً بعينه لطبيبٍ من الأطبّاء فقال له علاجك وطبّك باقتلاع عينك!، فهل يا ترى سيترك للطّبيب خيار اقتلاعها أم سيدع هذا الطبيب ويذهب لغيره طلباً لما هو الأصلح لبدنه ؟ أو هل كان سيذهب لأي طبيب ليترك بينه وبين الألم وصفة طبية أوطبيباً ؟ هل المرض سيتركه لمجرد إتيانه لأي طبيب ؟

فكما أننا نحرص أشد الحرص على أجسادنا ولا نذهب إلّا لأطباء نثق بهم وبرأيهم يتوجب علينا فعل ذلك مع أرواحنا فهي أهم وأنفس من أجسادنا ، فمثل الروح والجسد كالفارس والفرس إن اهتم الانسان ببدنه ونسي روحه قادته الفرس [النفس الأمّارة بالسوء] للمهالك والأضرار ولما استطاع الفارس الهزيل أن يكبح جماحها.

كما أننا نرغم أنفسا ونتجرع مرّ الدواء مع علمنا التام بأنه الأصلح والأنفع فلم لا يكون اختيارنا لذلك المفتى بناء على ما نؤمن بأنه أصح وأنقى وأطهر لأرواحنا لا موافقة لهوانا وارضاءاً لشهواتنا ، فمهما تضررت الأبدان فلن يضر الروح شيء على نقيض أمراض الأنفس والأرواح فهي تجني على النفس والبدن بالشقاء والثبور في الدنيا قبل الآخرة.

وليسأل كلٌ منّا نفسه قبل أن يأخذ أي فتوى ، هل هي حقا ً أصلح لديني ؟ أو هل اخترتها موافقةً للهوى ؟

يقول البوصيري -رحمه الله-

منْ لي بـردِّ جمـاحٍ مـن غوايتهـا
كمـا يُـردُّ جمـاحُ الخيـلِ باللُّجُـمِ

فلا ترمْ بالمعاصـي كسـرَ شهوتهـا
إنَّ الطعـام يقـوي شهـوةَ النَّـهـمِ

والنفسُ كالطفل إن تُهْملهُ شبَّ علـى
حب الرضـاعِ وإن تفطمـهُ ينفطـمِ

فاصرفْ هواهـا وحـاذر أن تُوَليَـهُ
إن الهوى ما تولَّـى يُصْـمِ أو يَصِـمِ

وراعها وهي فـي الأعمـالِ سائمـةٌ
وإنْ هي استحلتِ المرعى فلا تُسِـمِ

كمْ حسنتْ لـذةً للمـرءِ قاتلـةً مـن
حيث لم يدرِ أنَّ السـم فـى الدسـمِ

واخش الدسائس من جوعٍ ومن شبـع
فـرب مخمصـةٍ شـر مـن التخـمِ

واستفرغ الدمع من عين قد امتـلأتْ
من المحـارم والـزمْ حميـة النـدمِ

وخالف النفس والشيطان واعصِهِمـا
وإنْ هما محضـاك النصـح فاتَّهِـمِ

ولا تطعْ منهمـا خصمـاً ولا حكمـاً
فأنت تعرفُ كيـدَ الخصـم والحكـمِ

————
من على طريق مكة إلى المدينة
٢٧ رمضان ١٤٣١ هـ

سبتمبر 2010
س د ن ث ع خ ج
 123
45678910
11121314151617
18192021222324
252627282930